رواية لااصطفي بالحب غيرك الفصل العاشر بقلم فاطمه علي محمد
شمس نهار يوم جديد أطلت على الواحة كما أطلت على أحداقٍ غافية باسترخاء لم تعهده من قبل، فحقًا هذا المكان جوهرة مكنونة بطبيعته ومناخه العام. تململ "يامن" بفراشه براحة وتكاسل وهو يفرك عينيه بأطراف أنامله برفق حتى اعتاد الضوء حوله، ليفتح أحداقه أخيرًا مستكشفًا الغرفة حوله بابتسامة خفيفة للحظات قبل أن يهب ناهضًا بجذعه ومستندًا على تلك الوسادة التي عدّل من وضعيتها خلف ظهره، لتتسع ابتسامته أكثر حينما وجد نفسه بثيابه التي كان يرتديها بالأمس، فهو ظل يرقص، ويشدو بأغنيته تلك حتى إنهار جسده على الفراش وغفا بسبات عميق.
التقط هاتفه من أعلى سطح الطاولة الصغيرة التي بجوار فراشه يطالع شاشته بأعين مبتسمة مرددًا بدهشة :
- الساعة سبعة! إزاي نمت كل الوقت ده؟! أنا يدوب أقوم أخد شاور عشان ميعاد التصوير.
وهبّ من فراشه نافضًا عنه الدثار، متجهًا صوب حقيبته التي لم يفتحها بعد، وحملها واضعًا إياها أعلى الفراش ليفتحها مطلقًا بفمه صافرات مرحة غابت عنه لسنوات طويلة وهو يلتقط منشفته الخاصة، متجهًا صوب مرحاض الغرفة الخاص به.
*********
بينما بالساحة الخارجية للفندق، كانت "ميان" تجتمع مع فريق العمل كاملًا حولها بحماس أشعل نشاطها موزعة المهام فيما بينهم ومؤكدة على كل منهم إتمام عمله على أكمل وجه وبكفاءة عالية، لتشير نحو مهندس الديكور هاتفةً بتساؤل :
- الديكورات خلصت يا باشمهندس؟ عايزة نفس تصميم الاوتيل هنا بالظبط، لأن للأسف في الفترة دي هيصعب علينا التصوير فيه، فهناخد بس كادرات لحاجات معينة منه، غير كده هيكون كله ديكور .
أومأ المهندس الثلاثيني، الأشعث الشعر واللحية، حنطي البشرة، بني الأعين، متوسط الطول والجسد، برأسه مرددًا بفخر وثقة :
- اتحداكِ لو قدرتي تفرقي الديكور عن الأصلي.
هتفت "ميان" بجدية صارمة وهي تشير إلى الحافلة :
- هنشوف دلوقتي حالًا، يلا بينا على اللوكيشن ومستر "يامن" هيحصلنا على هناك.
واتجهت نحو الحافلة تستقلها لتتوقف للحظات باحثة عن خُطة عملها المدونة بأوراقها الخاصة، لتطبق أجفانها بقوة وهي تزفر بحنق شديد مُشيرة نحو سائق الحافلة هاتفة باعتذار :
- عشر دقايق بس، هجيب حاجة من الأوضة وآجي.
أماء لها السائق برأسه وابتسامته البشوشة تكسو قسماته، لتستدير "ميان" راكضة إلى الداخل.
دفعت "ميان" باب غرفتها الشبه مفتوح والجة إليها بتركيز قوي في البحث عن أوراقها التي طوفت لأجلها كامل الغرفة بشكل سريع قبل أن تركض نحو الطاولة تبحث أعلاها بتذمر شديد مغمغمة :
- فين الورق؟.. أنا آخر مرة كنت حطاه هنا.. الروم سيرفس!.. أكيد شالوه من مكانه.. بس حاطوه فين؟.. ومين أصلَا سمح لهم بكده.
واستدارت تركض نحو وحدة الأدراج الخشبية تبحث عنها بها وتذمر قد تضاعف جدًا حينما وجدتها خاوية، لتبدأ بتذمرها اللفظي وبلغة انجليزية سليمة وهي تشدد على خصلات شعرها زافرة بقوة قبل أن يجذب انتباهها تلك الأوراق المتوراية بجوار سريرها.
اتسعت عيناها دهشة وهي تدنو بجذعها أرضًا ملتقطة الأوراق مغمغمة :
- يا نهار زهايمر... أنا اللي حطاهم هنا، ركزي بقا بالله عليكي بلاش فضايح قدام الناس.
بينما بمرحاض الغرفة كان "يامن" يغتسل بالداخل بعدما وجد خزان مرحاضه فارغًا لأنه لم يعبئه ليلًا، أنهى "يامن" اغتساله ونشف جسده بمنشفة صغيرة قبل أن يرتدي قطعتين صيفيتين خفيفتين متجهًا نحو المرآة يدلك خصلاته بمنشفه أخرى وهو يغمغم بسخط بعض الشئ :
- شفت آخر نومك إمبارح، الناس خبطو عليك يدوك ماية سخنة وانت نايم قتيل، طب لو "ميان" كانت لسه هنا كان إيه الحل بقا يا فنان؟
توقفت الكلمات بحلقه ما أن تسلل شذى عطرها العالقة بمنشفتها الصغيرة إلى أنفه، ليسبل أجفانه وهو يسحب نفسًا عميقًا منها يعبء به صدره مبتسمًا بسعادة وهو يتمتم :
- "ميان".
لتتسع عيناه صدمة ويتذكر أمر زواجها فيبعد المنشفة عن أنفاسه ويُلقيها أرضًا وهو يخطو نحو باب المرحاض ويجذبه مغادرًا، ليتسمر بأرضه حينما وجدها تجلس بطرف الفراش تُحادث نفسها، مط "يامن" فمه باستنكار وهو يقترب منها بإبتسامة متهكمة دانيًا بجذعه نحوها حتى اقترب من رأسها تمامًا وهمس بنبرة ساحرة :
- هو الفنون فعلًا جنون، بس مش لدرجة إنك تكلمي نفسك.
انتفض جسد "ميان" صدمة واتسعت عيناها هلعًا وهي تلتفت نحو هذا المتطفل الذي اقتحم خصوصيتها وخصوصية غرفتها، لتهدأ قليلًا حينما وجدته "يامن"، وهتفت باستنكار أكبر:
- "يامن"!.. إنت بتعمل إيه هنا؟.. وإزاي دخلت أصلًا.
شرد "يامن" بأعينها قليلًا قبل أن يسحب نفسًا عميقًا معبأ بعطرها ويطرده بهدوء منتصبًا بجسده وهو يحاول كبح لجام مشاعره الوليدة مغمغمًا بجدية بعض الشئ :
- مفيش عندي ماية سخنة في الحمام، وكنت مستعجل إني أستنى يجهزولي ماية.. فقالولي ممكن استخدم حمامك طالما إنك مش موجودة.
مطت "ميان" فمها باستنكار وهي تنهض من مجلسها مغمغمة بدهشة :
- وده طبيعي؟!.. إن أي حد يستخدم حمام نزيل تاني؟.. أول مرة أشوف حاجة زي دي.
هز "يامن" رأسه بنفي مغمغمًا بثبات كبير :
- لا طبعًا مش طبيعي، ومش مقبول كمان، بس هما عارفين إننا تيم واحد، وإنك مش هتعارضي حاجة زي كده خصوصًا إننا عندنا شغل مهم ومش هينفع فيه أي تأخير.
هزت "ميان" رأسها بتذكر وهي تشدد على أوراقها بقوة مغمغمة بحماسة:
- تأخير!.. أنا لازم أمشي حالًا الكرو مستنيني في الاتوبيس.. بعد إذنك.
هز رأسه قليلًا وهو يتنحى جانبًا سامحًا لها بالمرور مُشيرًا بيده، لتتخطاه خطوتين قبل أن تتوقف ملتفتتة نحو بإبتسامة ماكرة هامسة جواره بهدوء :
- طبعًا مش هقولك إني مش مصدقة ولا كلمة من اللي قولته ده.. مستنياك.
وهرولت مغادرة إلى الخارج، ليتبع هو أثرها بابتسامة خفيفة لم يلحظها هو.
********
ركضت "ميان" نحو الحافلة بخطوات واسعة نحو الحافلة التي استقلها الجميع بحماسة قوية، لتجلس بجدية تامة تفتح حاسوبها النقال تطالع بعض الصور إلي جوار تلك الفتاة العشرينية ذات الشعر الأسود الطويل، والبشرة الحنطية، والأعين السوداء الواسعة المحاطة بغابة كثيفة من الاهداب الطويلة الملتوية لأعلى فكانت مثال لملكة فرعونية أصيلة، التي صمتت لدقائق قليلة بصعوبة قبل أن تهتف بسعادة غامرة ولا تصديق اقوى :
- هو أنا بجد بطلة كليب "يامن دويدار"؟
أغلقت "ميان" حاسوبها برفق، واستدارت نحوها بابتسامة ودودة مرددة:
- أه يا حبيبتي.. إنتي بطلة كليب "يامن دويدار"...
وتنهدت ميان بقوة قبل أن تردد بعطف شديد :
- "ريم" حبيبتي أنا عايزة أفهمك حاجة صغيرة جدًا، في مجالنا ده ركزي بس في شغلك واجتهدي إنك تطلعي فيه أحسن ما عندك بغض النظر عن مين اللي قدامك، سواء كان نجمك المفضل، أو حتى حد ما بتحبهوش وظروف شغلك فرضته عليكِ.. يوم ما تعملي كده صدقيني هما اللي مش هيكونوا مصدقين نفسهم إنهم بيشتغلوا معاكِ.. وبعدين إنتِ ميس إيچيبت يعني حلم كل بنت إنها تكون مكانك، وحلم كل شاب إنه يرتبط بيكِ.. فهماني يا "ريم"؟
أومأت لها برأسها بسعادة كما هتفت بهوسٍ ولهٍ:
- بس برضه "يامن دويدار" ده حلم حياتي اللي عايشة عشان أوصله وهوصله.. وبكرا أفكرك.
توقفت الحافلة بأرضها، ونهضت "ريم" متقفزة بسعادة تغادرها وسط نظرات "ميان" المتعجبة والتي مازالت تزينها ابتسامتها الودودة، لتنهض هي الأخرى متعقبة فريق العمل إلى موقع التصوير.
بناء صورة طبق الأصل من الفندق الرئيسي، سوى بعض الاختلافات الطفيفة كالبحيرات وبعض الأشجار، لتتفقد "ميان" المكان كله بنظرات جدية صارمة وإلى جوارها "شريف فايق" مهندس الديكور المصري ببصمة عالمية ينتظر جوابها بارتباك جليّ وهو يفرك كلتا يده ببعضهما البعض كتلميذ مترقب نتيجة اختباره، حتى أثلجت "ميان" صدره بقولها :
- الله ينور يا باشمهندس، تقدر تتحدى أي حد بشغلك ده.
اتسعت ابتسامة "شريف" وهو يحرك قبضته أمامه بالهواء كعلامة انتصار أزهقته "ميان" بكلماتها الجدية :
- بس هحتاج منك إنك تنفذلي ديكور كمان.. هبعتلك الديزاين واتساب وهستلمه منك بعد ساعة من دلوقتي.
وغادرت المكان متجهة صوب معدات التصوير تتفقدها، ليهتف "شريف" بصدمة وهو يركض خلفها مهرولًا :
- ديكور إيه ده اللي يخلص في ساعة يا أستاذة؟!
أشارت "ميان" بسبابتها نحو هاتفه الذي صدح باستلام رسالة إلكترونية، تبعتها ميان بحركة دائرية من سبابتها تدل على بدأ العد التنازلي للوقت، ليشدد "شريف" على خصلاته الشعثاء وهو يزفر زفرات حارة متذمرة أفضت إلى زفرات يأس واستسلام وهو يركض نحو معداته ومساعديه صائحًا بهمة:
- يلا يا رجالة عندنا شغل كتير.
بينما كانت "ميان" تركض من هنا إلى هناك متفحصة كل كبيرة وصغيرة بالموقع حتى عربة التجميل التي احتلتها "ريم" بصحبة فتيات التجميل والتصفيف واللائي اتبعن إرشادات "ميان" بدقة فهي قائد هذا العمل، كان "شريف" أوشك على الانتهاء مع عمله والذي فشل في إنهائه بالساعة المحددة، فها قد دقت ساعة "ميان" الثامنة والنصف موعد وصول "يامن دويدار" الذي ترجل عن الحافلة بطلته المُهلكة لكثير من الفتيات وهو يزيل نظارته الشمسية عن أعينه مطوفًا المكان كله بنظرات إعجاب وانبهار وئدته نظرات الجمود واللامبالاة تلك.
زفر زفرة حارة وهو يهبط درج الحافلة مُواريًا أعينه الساحرة خلف زجاج نظارته الشمسية متجهًا نحو "ميان" وهو يردد بتعجرف وكبرياء :
- كله تمام؟
أردفت "ميان" بذات العجرفة وهي تعدل من وضعية ألة التصوير في الزاوية المناسبة لرؤيتها :
- ياريت تروح الكرڨان بتاعك، الاستايلست والميكب ارتيست والكوافير في انتظارك.. عشرين دقيقة بالظبط وهدور الكاميرا.
واتجهت نحو ألة تصوير أخري وبدأت تعدل من وضعيتها هي أيضًا فتارة تنظر من خلال عدستها، وتارة أخرى بالعين المجردة.
بمجهودٍ مضنٍ امتلك "يامن" زمام أموره، وأحكم سيطرته على غضبه الذي تأججت نيرانه وفارت حممها، ليزفر زفرة قوية هبت نيرانها نحو تلك المنغمسة بعملها غير مكترثة لغضبه ذلك، وغادر متجهًا صوب عربته الخاصة للاستعداد لبدأ التصوير.
ما إن انتهت العشرون دقيقة حتى أطل "يامن" مغادرًا العربة بزيه الفرعوني التقليدي إزار أبيض صغير يحاوط خصره حتى ركبته محاوط بحزام ذهبي عريض، كما كان عاري الصدر إلا من قلادة ذهبية كبيرة تحتل نصف صدره، كذلك سوارين ذهبيين يحاوطان رسغيه.
هبط درج العربة، لتتجه نحوه "ميان" بنظرات تأييد لطلته تلك مرددة بجدية :
-. Perfect (في أحسن الأحوال).
اتفضل معايا على اللوكيشن .
حدقها "يامن" شزرًا وهو يغمغم ممتعضًا :
-امشي.
وتبعها نحو موقع اللقطات التي تعمل على تنفيذها وبدأت في توجيهه إلى كل حركة يجب أن يقوم بها، كل إيماءة وكل نظرة، لينفذها باحترافية ومهارة فهو أيضًا محترفًا بعمله، ويعلم جيدًا أن مخرج العمل هو قائده، فإنصاع لكل تعليماتها وأوامرها بينما ذهبت هي خلف آلات التصوير لتعطي إشارة البدء بالعمل.
أداء رائع ومميز واحترافي من "يامن" فكان المشهد يؤخذ من اللقطة الأولى بالعلامة الكاملة، لما لا وهو فنان حقيقي .
مشهد تلو الآخر حتى حان وقت لقاء "يامن" مع "ريم" التي تحلت بزي ملكة فرعونية تقليدي فستان أسود ضيق طويل بشق من الجانين، وصدر نصف مفتوح مُوارى بقلادة ذهبية كبيرة، وتاج ذهبي صغير مزين لشعرها المنسدل خلف ظهرها بتمرد أنثوي، وكحل حاوط أحداقها بسياج طويل عالٍ يبرز جمالهما ويأسره.
اقتربت "ميان" من "ريم" تشرح لها كيفية أداء المشهد بأدق تفاصيله، لتصحبها نحو "يامن" وتوضح له هو الآخر ما عليه فعله، إلا ما أن رمقته "ريم" حتى ركضت إليه تضمه بقوة وسط نظراته الذاهلة وأحداقه التي كادت أن تخرج من محجريهما، لتتعالى ضحكات "ميان" للمرة الأولى وتدوي أصدائها بأرجاء المكان.. ضحكات جافتها لأعوام وأعوام إلى أن آن أوان عودتها ، فهيئة "يامن" تلك، وجنون "ريم" هذا كانا حافزًا قويًا لتحرير تلك الضحكات من آبار جوفها السحيقة. ضحكات مدوية جذبت أنظار الجميع، وأسرت قلوب بعضهم. أخذت تعلو وتعلو بتقطع طفيف، حتى سالت عبراتها فأغرقت وجنتيها مستقرة بأبواب شفاهها الكرزية، لتستشعر "ريم" الحرج وتبتعد عن "يامن" مهرولة نحو عربتها ثانية، بينما تعالت ضحكات "يامن" هو الآخر، لتُصيب عدوى الضحك كل من بالموقع، وتدوي أصدائه بأرجاء الصحراء.
دقائق قليلة حتى هدأت وتيرة تلك الضحكات، وبدأت "ميان" بإزالة عبراتها وهي تجمع خصلاتها المنسدلة بعشوائية وترفعها لأعلى محكمة جمعها بدبوس خشبي، وهي تردد بأسف :
- أسفة يا جماعة..
واتجهت بأنظارها نحو "يامن" الذي حاول السيطرة على دقاته التي بدأت تترنم بنغمة عشق خافتة مرددة باعتذار أقوي:
- حقيقي أسفة على اللي حصل ده، بس والله دي أول مرة أضحك بالطريقة دي من سنين طويلة جدًا.
كان يتلاشى النظر إلى عينيها مباشرة، ليشير نحو مساعده الذي أمده بنظارته الشمسية التي وارى بها أعينه قبل أن يتجه نحو عربته مرددًا بحدة بعض الشيء :
- ياريت نرجع لشغلنا بسرعة.
رمقته بحنق ساخط وهو يغادر، لتزفر زفرة قوية وهي تركل الأرض بقدمها قبل أن تتجه نحو عربة "ريم" التي كانت تجلس بأحد جوانبها تبكي بشهقات متقطعة.
دقت "ميان" باب العربة المفتوح وهي ترمق "ريم" بنظرات مستجدية الصفح والغفران مرددة بنبرة هادئة:
- ممكن أدخل.
أزالت "ريم" عبراتها وهي تعتدل بمقعدها مومأة لها برأسها بأن نعم، لتلج "ميان" بخطى ثقيلة إلي أن جلست إلى جوارها ملتقطة يدها بين كفيها بود عطوف هامسة بندم :
- أنا أسفة.. بس والله ما كنت أقصد أحرجك ولا أضحك عليكِ..اللي وصلني للحالة دي هو شكل "يامن" وصدمته من حركتك المفاجأة دي، إنتِ نفسك لو كنتِ شوفتي وشه في اللحظة دي كنتي هتضحكي أكتر من كده بكتير.
شهقت "ريم" شهقات متقطعة وهي تغمغم بتساؤل خجل :
- هو اتصدم قوي؟
- جدًا، ما هو الراجل واقف في أمان الله فجأة يلاقي واحدة قمر زيك كده بتجري عليه وتاخده بالحضن، متخيلة يعني رد فعله هيكون إزاي؟
أردفت به "ميان" بابتسامة خفيفة قبل أن تجاوبها "ريم" بهيام وشوق :
- بحبه.. هو فارس أحلامي اللي نفسي يخطفني على حصان أبيض وياخدني بعيد عن كل الناس اللي حوالينا دي، إنتِ لو دخلتي أوضتي هتلاقيها كلها صور "يامن"، موبايلي نفسه كل الصور اللي عليه صور "يامن"، حتى الأغاني كلها أغاني "يامن".. تخيلي النجم اللي طول عمري بشوفه من ورا شاشة ألاقيه فجأة قدامي وقادرة ألمسه بايدي.
كانت "ميان" تتابع حديثها بدهشة قوية، وتعجب أقوى؛ أهناك هوس إلى هذا الحد؟! نعم.. فهذا حقًا هوس! فالعشق تيار عكسي متبادل بنفس القوة ونفس المقدار، لم يكن يومًا ذا طرف واحد.. لتتنهد بقوة مرددة وهي ترمق ساعة يدها :
- إحنا عندنا مواعيد شمس، فياريت تجهزي على طول عشان نكمل شغلنا، وبعد كده نقعد قعدة طويلة تحكيلي فيها قصة حبك الملتهبة دي.
ونهضت من مجلسها مستطردة بابتسامة خفيفة:
- هبعت لك البنات تساعدك في تظبيط الميكب.
أومأت "ريم" برأسها عدة مرات وهي تبتسم ابتسامة واسعة، لتمسد "ميان" على رأسها بحنو مُغدقة إياها بسيل جارف من النظرات الحانية قبل أن تغادر لإتمام ما تبقى من أعمال هذا اليوم الشاق.
دقائق قليلة وعادت الأمور لنصابها الطبيعي بعدما أطلت عليهم "ريم" بكامل حلتها وأناقتها لتخطو نحوهم بإبتسامة خجلة وهي تفرك يدها بتوتر متوقفة تمامًا إلى جوار "يامن" الذي مازال يطل علينا بهيئته الفرعونية وقد بدأت "ميان" في الاسترسال في شرح وجهة نظرها لكلاهما قبل أن تستطرد بحديثها مرددة بجدية :
- فهمتي المطلوب بالظبط يا "ريم"؟ إنتِ ماشية في السوق وبتلاقي واحد من رجال الأمير بيضرب وطبعًا بيكون راجل مسن مش قادر يقاوم طغيان حاشية الأمير... هنا لازم تتدخلي بأنك تتخانقي معاه وتوقفيه عند حده، بس هو اكيد هيكون له رد فعل و هيزقك بدون أي تفكير أو تردد والموضوع ده هيستفزك جدًا ورد فعلك إنك هترفعي إيدك عشان تضربيه بالقلم.. هنا بقا هيدخل "يامن" ويمسك إيدك بقوة ويمنعك من كده، وهيكون فيه تحدي شرس ما بينكم.. عايزة نظراتك له كلها عند وتحدي يا "ريم".. مش عايزة أعيد .
أومأت لها "ريم" برأسها عدة مرات متتالية وهي تردد بتأكيد متحمس :
- اكيد.. تقدري تبتدي.
أومأت "ميان" هي الأخرى برأسها وركضت متجهة صوب مقعدها تتخذه بتركيز قوي هاتفة بجدية :
-3... 2.. 1 and action.
دارت آلات التصوير تلتقط المشاهد باحترافية ومهارة، وكان أداء فريق التمثيل مميز حقًا، فالرجل المسن أدى دور المنكسر باحترافية، كذلك رجل الأمير كانت قساوته وعجرفته تنضح على وجهه، كما كانت "ريم" ماهرة إلى حد كبير إلى أن أتت تلك اللقطة التي تتحدى بها "يامن" بالنظرات، زاد توترها وارتباكها وتضاعف ، لتزدرد ريقها بتلعثم قوي ظهر جليًا على معالم وجهها المرتبكة بشكل لاحظته "ميان" جيدًا، لتزفر زفرة قوية وهي تنهض من مقعدها هلتفة بقوة :
- Stop.
وخطت مسرعة صوب "يامن" و"ريم" وهي تهتف بدهشة حقيقية موبخة:
- مالك يا "ريم" فيه إيه ؟!.. إنتِ عاملة كل المشاهد لحد دلوقتي كويس جدًا.. يعني قادرة تمثلي وكويس كمان يبقى فيه إيه بقا؟!.. إحنا مش هنفضل في مشهد طول اليوم.
زفر "يامن" بقوة مستاءًا وهو يستدير بكامل جسده للخلف معلنًا بوادر سخطه وحنقه ، بينما حمحمت "ريم" بخجل مغمغمة :
- أنا أسفة يا أستاذة والله، مش عارفة فيه إيه! .. ممكن نعيد المشهد تاني واوعدك إنها هتكون آخر مرة.
تنهدت "ميان" بهدوء بعدما استشعرت حدتها مع "ريم"، لتربت على كتفها بحنو وهي تغدقها بابتسامتها الودودة مومأة لها برأسها قبل أن تتجه إلى مقعدها تانية، مُطلقة إشارة البدء بتصوير المشهد تانية.
ذات الارتباك والتوتر ثانيًا، وثالثًا حتى بدأ الضجر يتسلل إلى قلب "يامن"، فقد بدأ يزفر زفرات متذمرة وهو يلوح بيده في الهواء بضيق شديد ، لتركض "ميان" نحوهما هاتفة باقتراح في محاولة للحد من غضبه الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الانفجار :
- شوفيني وأنا بعمل المشهد يا "ريم"، هحاول أساعدك أكتر واوصلك وجهة نظري.. ياريت تركزي مع كل حركة بعملها .
هزت "ريم" رأسها بموافقة آسفة، لتتجه "ميان" بأنظارها نحو "يامن" مرددة بهدوء :
- معلش ممكن أشاركك المشهد مرة واحدة بس عشان "ريم" تفهم قصدي بالظبط وتفهم اللي المشهد محتاجه كويس .
فرك "يامن" وجهه بضيق وهو يزفر زفرة حارة، مرددًا بحنق متهكم :
- بس ياريت ما نحتاجش نعيد المشهد معاكِ إنتِ كمان، لأن كده بقا أوڨر قوي .
حركت "ميان" رأسها بنفي قاطع مرددة بابتسامة خفيفة :
- هي مرة واحدة بس، ومفيش إعادة تاني.
واتجهت بأنظارها نحو "ريم" مرددة برجاء :
- ركزي معايا يا "ريم"، "يامن" بدأ يفقد أعصابه.
وأشارت إلى رجل الأمير للبدء بمشهده، حتى جاء مشهدها مع "يامن"، كان مشهد قوي، تناطح عملاقين بتحدٍ سافر، نظرات نارية مهلكة من كلاهما، شرارات الكبرياء والتعالي تتطاير بالأحداق، كبرياء.. تعالٍ.. غرور.. عجرفة، كانت هذه هي المشاعر الصارخة بالأحداق، إلا أنه كان هناك خيط مهترئ من ولهٍ يتطاير خلف كل هذا، كاد أن يتلاشى ويذوب ملحًا يحرق الجروح ، إلا أنه تسلل بنعومة من بينهما ليطفو على السطح صارخًا بعشق قادم لا محالة،
عشرات الأسئلة تُخط وتضج، اشتياق جارف، عتاب ولوم، همس وأنين.. أين كنتِ كل هذا الدهر؟.. لما تركتيني وحيدًا أواجه مصيرًا لا يرحم؟..
أرى حصوني الآمنة خلف سياج قلبك المنيعة، انتشلني من ماضٍ قاسٍ أرهق قلبي، فلم يعد لديه طاقة للاحتمال.
لحظات أعقبتها دقائق طويلة وصرخة التحدي لانت وانصهرت لتنهيدات عشق جارف، نظرات عشق ولع من "ميان" لـ "يامن"، عشق انحنت له آلهة الحب تقديسًا واحترامًا، رافعين مشاعل الشوق التي تُشعل الكون حولها ، نيران اخترقت حرارتها قلب "ريم" التي كانت تشاهد بتركيز واهتمام بالبداية قبل أن تتولد بقلبها شرارات حقد وغيظ دفين، من هذه المرأة التي أباحت لها بمكنون قلبها فاضحة عشقها المتيم لهذا الفارس الذي امتطى صهوة قلبها وأحكم لجامه، لتحمحم بقوة وهي تهز ساقها بعصبية مرددة :
- أستاذة "ميان" المشهد خلص على فكرة، ودخلتوا في مشهد تاني خالص.
انتفض جسد "ميان" بقوة وهي تمسد خصلاتها بتوتر مطوفة أنظار الجميع حولها بخجل شديد أشعل نيرانه بوجنتيها ، لتشير بيدها نحو عربتها هاتفة بارتباك قوي وهي تزدرد ريقها بتلعثم شديد :
- هعمل قهوة..مين عايز يشرب؟
انفرجت إبتسامة خفيفة بثغر "يامن" الذي لم يكن يبالي بكل ما يدور حوله، كما حديث "ريم" الذي لم يُعيره ادنى اهتمام كما حديث "ميان" التي أجابها بنبرة مشاكسة ماكرة :
- أنا.
تضاعف ارتباك "ميان" التي رمقته بتوتر أقوى وهي تحرك رأسها بموافقة قبل أن تركض إلى عربتها بقلب ثائرة نبضاته.
تبع أثرها بنظراته المشاكسة وهو يُشير إلى الجميع بالإنصراف قبل أن يتجه نحو استراحته وهو يشدو بإحدى أغنياته العاطفية.
ولجت "ميان" راكضة إلى استراحتها الخاصة وهي تحرك يدها أمام وجهها بقوة تستجلب بعض ذرات الهواء الباردة عليها تُثلج نيران خجلها هذه، لتستند بيدها أعلى طاولة الزينة الخاصة بها وهي تطالع وجهها بالمرأة بأعين زائغة النظرات ممرة يدها على صفحته الساخنة وهي تردد بلوم شديد :
- غلط.. اللي عمليته غلط.. اللي حستيه في اللحظة دي غلط.. مشاعرك دي غلط.. مش مسموح بيها أصلًا.. إزاي تحسيها في عز محنتك دي.. إزاي تكوني أنانية كده.. إزاي قلبك ده يتحرك تاني وياخد نفسه.
وبدأت تربت على موضع قلبها برفق مغمغمة ببكاء متحشرج :
- ده مفيهوش مكان غير لـ "چاد".. ده الإنسان الوحيد في الدنيا اللي يستاهل إنه يكون فيه... فوقي يا "ميان".. اجمدي وأقسي.. وبعدين مش "يامن" ده اللي نسخة تانية من "مهاب".. مش يامن ده اللي حرم أم من ضناها زي ما "مهاب" حرمك من ابنك.. كلهم خاينين.. كلهم راحل واحد بأشكال مختلفة.. اجمدي كده واصلبي طولك وارجعي لشغلك عشانك وعشان ابنك.
واتجهت نحو المغسلة تفتح صنبورها تملأ كفيها منه وتنثر مياهه بقوة على وجنتيها لمرات عديدة حتى هدأت تمامًا وسحبت نفسًا عميقًا احتبسته لعدة لحظات قبل أن تزفره بهدوء وهي تلبس ثوب القوة والجدية خاطية نحو باب الاستراحة، خارجة عليهم بشموخ وكبرياء وهي تهتف بهم بجدية :
- تصوير يا جماعة.. يا ريت ننادي أستاذ "يامن" و أستاذة "ريم".
واتجهت نحو مقعدها تحتله بجسد مستقيم وهي تضع منظارها الشمسي أعلى أعينها مطالعة الفضاء حولها بتركيز قوي قطعه صوت "يامن" الجادي :
- أنا جاهز.
وأخذ وضعه أمام عدسة التصوير وانضمت إليه "ريم" التي ما زالت تشتعل بنيران الغيظ والغضب من" ميان"، لتبتسم إبتسامة خبيثة وهي تغمغم بوعيد :
- إما خليتك تقع في غرامي ما أبقاش أنا.. وهشوف الأستاذة المخرجة دي هتعيد إزاي بقا.
وبدأت بتقمص دور الإغراء بنظراتها المتحدية لنظرات "يامن" الذي نهش الاشمئزاز شفاهه بقوة ليسحقه بجدية وحرفية مؤديًا دوره ببراعة شديدة
******
شارفت شمس اليوم الأول من التصوير على المغيب، فتنهدت "ميان" براحة هاتفة بجدية وهي تنهض من مقعدها ململمة أشيائها :
- فركش يا جماعة.. بشكركم جميعًا إحنا النهاردة أنجزنا أكتر من اللي كان متخطط له وده بفضل ربنا ثم مجهودكم.. شكرًا
واتجهت بأنظارها نحو "ريم" مرددة بابتسامة خفيفة :
- ميرسي جدًا يا أستاذة "ريم" خلصتي النهارده كل مشاهدك، تقدري تنزلي القاهرة، كنا سعداء جدًا بوجودك معانا.
أومأت "ريم" برأسها بابتسامة باهتة، توهجت وأضاءت وجهها ما أن أدارته صوب "يامن" الذي التقط هاتفه للتو للاطمئنان على صغيره، وهي تردد بدلال :
- كنت سعيدة جدًا بشغلي مع حضرتك، ياريت الفرصة دي تتكرر تاني.
أومأ لها "يامن" برأسه وهو يرسم ابتسامة زائفة على ثغره، مرددًا بلامبالاة قبل أن يتركها متجهًا إلى عربته : - إن شاء الله.
تتبعت "ريم" أثره بنظراتها الوله، لتطلق تنهيدة حارة وهي تحضن ذاتها بكلا ذراعيها هامسة بهيام :
- هو فيه في الدنيا قمر كده!.. مش هفوتك من ايدي يا" يامن دويدار".. إنت بوابتي الواسعة للشهر والغنى.. بيك هوصل لكل حاجة بحلم بيها.
قطع حديثها هذا مساعدتها الخاصة المنوطة بكامل أمرها والتي وقفت أمامها مباشرة بابتسامة واسعة وهي تردد :
- اتفضلي معايا يا أستاذة عشان أساعدك تغيري هدومك دي.
استفاقت "ريم" من مخططها هذا وهي تردد بابتسامة واسعة :
- أوك.
وأخذت الطريق إلي عربتها بقفزات متفرقة وهي تدندن إحدى أغنيات "يامن" العاطفية الشهيرة.
***********
تعالى أزيز جوال "ميان" بحقيبة خصرها بقوة، لتضع ما بيدها من أوراق أعلى أحد المقاعد الجانبية لها وهي تفتح سحاب حقيبتها ملتقطة إياه باهتمام تلاشى بزفرة قوية حينما وجدت الرقم الذي يعلو شاشة جوالها ما هو إلا رقم "صافي"، تنهدت بهدوء في محاولة لضبط انفعالاتها لتضغط زر الإجابة وقد همت بوضعه قرب أذنها، إلا أن وجود "يامن" الذي انضم إليها بابتسامة ممتنة أربكها بشدة، لتنهي الاتصال مسرعة وهي تواريه خلف ظهرها بتوتر جليّ أرجف ابتسامتها الطفيفة التي طوفت معالمه.
تنهد "يامن" براحة وهو يضع كلتا يديه بجيبي بنطاله مرددًا بعرفان شديد وهو يرمقها بنظراته الباسمة :
- حبيت قبل ما نمشي أشكرك على شغلك واجتهادك فيه.. بجد إنتِ عاملة شغل حلو قوي.. ميرسي.
حركت "ميان" رأسها بتوتر ومازالت يدها بالخلف، وهي تردد بابتسامة بلهاء مرتبكة:
- مفيش داعي للشكر خالص ده شغلي وأنا بحاول أعمله بشكل مُرضي وده لأني عايزة ابتدي بداية قوية تعوض سنيني اللي فاتت.
مط "يامن" جسده لأعلى وهو يرمق أستار الليل التي كادت أن تُسدل، ليتنهد بتلذذ لتيار الهواء البارد الذي داعب عضلات ذراعه البارزة والعارية من أكمامه القصيرة، مرددًا بابتسامة كانت لقلوب النساء دعاء :
- براڨو عليكِ.. قدرتي فعلًا تعملي شغلك باحتراف عالي جدًا وعندي ثقة كبيرة إنك هتقدري تنفذي اللي جاي بنفس الأداء.. وبدايتك فعلًا هتكون قوية وهتلفت نظر الكل.
حركت رأسها بموافقة وهي تزدرد ريقها بصعوبة مرددة باقتضاب:
- أتمنى كده.
استشعر "يامن" ارتباكها إلا أنه لم يبالي فهي طيلة اليوم مرتبكة جواره، لتتسع إبتسامته وهو يردد بإعجاب :
- على فكرة فكرتك لتصوير الألبوم كامل عبقرية، على قد ما كنت خايف من تنفذيها او بالتحديد قدرتك على تنفيذها على قد ما أنا متفائل ومتحمس جدًا بعد ما شفت شغلك وشطارتك النهاردة.
قطبت "ميان" جبينها باستنكار وهي تهتف بصدمة :
- مش واثق فيا؟!.. طب إزاي سلمتني دماغك وشغلك؟
حرك "يامن" رأسه بنفي مرددًا بثبات :
- مش موضوع ثقة على فكرة.. بالعكس لو ما كنتش واثق فيكي وف شطارتك ما كنتش سلمتك دماغي زي ما بتقولي... الموضوع كله إن أي تجربة جديدة بيكون فيها نسبة مخاطرة، ده غير زنى قلوق بصفة عامة في موضوع شغلي، ما بقدر اطمن ولا ارتاح غير ما أشوف ردود الفعل واحسها بنفسي.. طبعي كده، وتركيبتي كده.
انفرجت إبتسامة خفيفة بثغر "ميان" وهي تردد بإعجاب شديد :
- ده إحساس صحي على فكرة، إحساسك بالمسئولية هو اللي بيخليك قلقان طول الوقت فعلَا، لكن تخيل لو حد عنده لا مبالاة ، عمره ما هينجح ولا هيسغى أصلًا للنجاح.
قطع حديثها هذا دوى أزيز جوالها مرة أخرى ليعاود الارتباك السيطرة على قسماتها وهي تشدد قبضها عليه بشكل لفت انتباه "يامن" الذي ضيق عينيه بدهشة واستنكار مرددًا : -
إيه الصوت ده؟!
تضاعف ارتباك "ميان" وهي تشدد قبضتها اكثر على جوالها الذي ظلت تواريه بحركة تلقائية محمحمة بتلعثم قوي:
- د.. ده.. موبايلي ماما بتتصل بيا.
لانت معالم وجه "يامن" وزينتها ابتسامة خفيفة وهو يردد بدهشة :
- طب ما تردي عليها.
ازدردت "ميان" ريقها بتوتر أقوى وهي تحرك رأسها بنفي مغمغة :
- شوية كده وهكلمها تاني.
حرك "يامن" رأسه بموافقة وهو يمط فمه بلامبالاة مرددًا :
- زي ما تحبي.
تنهدت "ميان" بقوة وهي تجول بأنظارها تطوف المكان حولها حتى استقرت نحو الحافلة الخاصة بها وبطاقم العمل، لتجدهم جميعًا قد استقلوها و "شريف" يقف ببابها وهو يشير نحوها مستدعيًا إياها للانضمام إليهم، فأشارت نحوه بيدها مرددة بابتسامة :
- "شريف" بيشاورلي عشان أروح أركب معاهم الباص.
استدار "يامن" نحوه بنصف جسده، لتتسع ابتسامة "شريف" المتوهجة بأضواء الحافلة وهو يلوح له مودعًا ، فانفرجت ابتسامة "يامن" هي الأخرى ولوح له مودعًا كذلك ، ليتنهد بهدوء مستديرًا نحوها ثانية وهو يردد بهدوء:
- لو حابة تيجي معايا في الميني باص بدل الزحمة دي أوك.
حركت "ميان" رأسها بنفي وهي تردد بجدية حادة:
- أنا جاية مع التيم بتاعي وأكيد من الذوق إني أرجع معاه، فياريت حضرتك تتفضل تركب الميني باص بتاعك عشان السواق منتظرك من بدري.
اشتعل غضب "يامن" من تلك المذبذبة المشاعر والانفعالات إلا أنه فرض سيطرته عليه بثباته وجموده اللذان يزينان ابتسامته الواسعة، ليحرك رأسه بتأييد مغادرًا وهو يردد ببرود لامتناهي:
- Bye.
دمتم في أمان الله وحفظه
يتبع